* محمد حسين فضل الله
من الطبيعي أن تكون الفتاة صاحبة الحق الأول والأخير في اختيار الزوج المناسب لها. فليس لأحد أن يضغط عليها في فرض أي زوج، لأن الله لم يجعل أحداً مالكاً لأحد.
ولكن هناك عدة نقاط، أو تحفظات، ينبغي بحثها في صدد هذه المسألة:
النقطة الأولى: هي البلوغ الذي يلتقي أو الذي يمتزج بالرشد. فلا يكفي في تصحيح عملية الاختيار أن تكون الفتاة بالغة سن التكليف، بل لابد من أن تكون راشدة أو رشيدة، بحيث تستطيع أن تميز الاختيار الصحيح من الاختيار الفاسد في حياتها. فإذا اجتمع لها هذان الشرطان: البلوغ والرشد فإن بإمكانها أن تختار مَن تشاء.
النقطة الثانية: وتتمثل في الجدل الفقهي الدائر بين سائر فقهاء المسلمين حول السؤال التالي: هل يشترط في زواج الفتاة العذراء إذن الولي كالأب أو الجد، وربما يمتد بعضهم إلى الأخ الأكبر ولو على نحو الاستحباب، أو انه لا يشترط ذلك؟ هناك فريق كبير من الفقهاء يقول: إن البالغة الرشيدة كالبالغ الرشيد، ليس لأحد سلطة عليها.
فإذا كانت الفتاة رشيدة في التسع سنوات فلا بأس في ذلك، وإذا لم تكن رشيدة فالأمر يحتاج أن تصل إلى سن الرشد، وسن الرشد ليس محدداً بحالة زمنية بل بحالة عقلية.
وعلى هذا الأساس هناك رأي لا يشترط شيئاً في موضوع صحة زواج الفتاة وصحة اختيارها إلا البلوغ والرشد، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الرجل. وإن كان هذا الرأي يستحب لها أن تستشير أباها أو جدها أو أخاها في ما يمكن أن يحقق لها رشداً إضافياً على مستوى الاستشارة في الانسان الذي تختاره، لأنها من الممكن أن تخضع لجو عاطفي ضاغط على مشاعرها يمنعها من أن تفكر بطريقة موضوعية في المسألة، لاسيما أن جانب الإحساس في المرأة أو جانب الضعف الطبيعي العفوي في حياتها قد يجعل كثيراً من الناس يستغلون هذا الجانب من شخصيتها، وهو براءة الطهر في ضعفها وفي إحساسها إذا صح التعبير.
فيحسن لها أن تستشير في هذا الأمر الحيوي الذي يمثل مسألة مصير، لاسيما إذا عرفنا أن أمر الطلاق بيد الرجل وليس بيد المرأة، كما يحسن لها أن تستشير في القضايا الأخرى التي تتصل بالجوانب الأخرى من حياتها.
وهناك رأي آخر لبعض الفقهاء، أو لكثير منهم، يشترط في صحة زواج الفتاة ممن تختاره إذن الأب أو الجد من جهة الأب. ولكن ليس معنى ذلك أن للأب أن يجبرها على قبول مَن لا تريده، لكن له أن ترفض مَن تريده انطلاقاً من المصلحة التي يراها. ولكن عندما نرى إن الأب لم ينطلق في رفضه من مصلحة بل من استغلال، أو من حالة تعسفية، وكانت الفتاة محتاجة إلى الزواج، فإنه من الممكن جداً في رأي بعض هؤلاء الفقهاء ـ ألا يكون للأب أي دور في هذه المسألة لأنه لا يمارس هذا الموقع الذي أعطاه إياه التشريع بطريقة اسلامية، بل بطريقة ذاتية عدوانية أو عبثية أو استغلالية.
وفي كل الأحوال، للفتاة الرأي الأول والأخير في الاختيار. وربما تتحفظ بعض الفتاوى في حرية هذا الاختيار عندما تربطه بإذن الأب، ولكنها لا تتحفظ في أنه ليس لأحد أن يفرض عليها مَن لا تريده. هذا من الناحية الشرعية الملزمة.