سفراء إسرائيل السابقون بالقاهرة :هذه هى الفروق بين السادات ومبارك
ترجمة ، سامح عباس
بمناسبة الذكرى الـ 25 على اغتيال الرئيس الراحل "أنور السادات " أجرى " روعى نحمياس "المحلل السياسي بصحيفة يديعوت أحرونوت أحاديث هامة مع سفراء إسرائيل السابقون لدى القاهرة، واستطلع ارآئهم حول الوضع الذى آلت إليه مصر بعد مرور 25 عام على اغتيال السادات ، وفيما يلى نص التقرير الذى أعده بهذه المناسبة :-
لقد كانت الصدمة هائلة عندما قامت خلية من الجهاد الاسلامى المصرية بزعامة "خالد الاسلامبولى " باطلاق النار خلال الاحتفال بالذكرى الثامنة لإنتصار أكتوبر على منصة كبار الشخصيات مما أسفر عن اغتيال الرئيس المصرى "انور السادات" مهندس الحرب والسلام مع اسرائيل ، اما نائبه "حسنى مبارك" فلم يصاب باى أذى وخلفه فى منصبه . حينها اصابت الدهشة كافة ارجاء الدولة . فماذا كان سيقول الرئيس الراحل الان بعد 25 عام على المكانة والوضع المتدنى الذى آلت إليه مصر. هناك كثير من الاسرائيليين يرون بانه لن يشعر بالرضا خاصة من الناحية السياسية ، وقد أكد على ذلك السفير "إيلي شاكيد" سفير اسرائيل السابق لدى القاهرة الذى أوضح قائلا:- "لقد فقدت مصر مكانتها كزعيمة قائدة للعالم العربي وكعنصر مؤثر على دول العالم الثالث ودول عدم الانحياز ، بل والدول الافريقية ، كما فقدت مصر ثقلها السياسي الذى تبلور فى عهدي "عبد الناصر" و"السادات" ، فقد باتت مصر فى عصر "مبارك" دولة غير مؤثرة ، خاصة فى القارة الافريقية " . والى حد ما تقدمت عدد من الدول الافريقية ، بينما ظلت مصر قابعة فى مكانها ، وبمعنى آخر أنها تراجعت للوراء.
ويضيف "شاكيد" :-" من الناحية السياسية ، بل والاقتصادية يمكنكم ان تروا كيف تقدمت جنوب افريقيا التى خرجت من مخاض العنصرية فقط فى مطلع التسعينيات، ولتروا ايضا كيف أصبحت الآن نيجريا بالمقارنة مع مصر ، فهاتين الدولتين دفعتا مصر جانبا كدولة مؤثرة فى افريقيا . ومن الشواهد البارزة التى تدل على تدهور وضع مكانة مصر كدولة مؤثرة، هى عندما تقدمت لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام2010 والذى كان مقرر اقامتها فى افريقيا ، فرغم المبالغ المالية الضخمة التى انفقتها واستعانتها بالامين العام السابق للامم المتحدة "بطرس غالي " وحصولها على تعهدات باستضافتها، الا انه عند التصويت باءت كافة هذه الجهود بالفشل الذريع ، فقد حصلت جنوب افريقيا على 15 صوتا ، والمغرب على 10 اصوات بينما لم تحصل مصر إلا على صفر مستدير . ورغم تشكيل مصر للجنة تحقيق برلمانية فى هذا الشأن لكنها لم تكن جادة، إذا انه لا يعقل أن تحاكم الحكومة نفسها. ومن هنا يتبين بان مصر قد تعرضت للاذلال والإهانة على يد أفريقيا التى أدارت ظهرها لها .
ويوضح "شاكيد" بقوله :- " ان هذا التصويت على كأس العالم كان بمثابة تصويتا سياسيا لتصفية الحسابات مع مصر . فدوما ما كانت تتعامل مع الدول الافريقية بسخرية وازدراء ، وقد لاحظت ذلك أثناء عملى بالقاهرة؛ وإذا ما فكرت مصر فى تشريح نفسها للانضمام الى مجلس الامن كعضو دائم به كممثل لافريقيا فأنها بذلك تعيش فى وهم كبير، فلن يكون لديها أى فرصة لتحقيق ذلك " .
إذن من يتحمل مسئولية كل هذا التدهور الذى آلت إليه مصر ؟ ....طبقا لما قاله "شاكيد " فان المسئول عن ذلك هو الرئيس "مبارك" بالطبع " فهو الذى يتخذ القرارت الاستراتيجية ، وان دور وزارة الخارجية والمخابرات المصرية ما هو إلا دور مساعد فقط. فرغم ان وزارة الخارجية المصرية جهازا كبيرا وضخما، الا ان قدرتها على تحريك الامور محدودة للغاية ، أما جهاز المخابرات الذي يرأسه اللواء"عمر سليمان" فهو يهتم فقط بالموضوع الفلسطيني فى الاساس وقد حقق فيه نجاح محدود. ورغم قيام مصر عدة مرات بتوجيه تهديدات وانذارات واضحة للفلسطينينن- لحماس وعرفات وآخرون- فلتروا بانه لم يحدث اي شيئ فى حال رفض الفلسطينين لمثل هذه الانذارات؛ فلم تعد مصر عنصرا فعالا فى المنطقة، بينما تتعاظم قوة دول أخرى مثل السعودية. حتى الجامعة العربية التى كانت "دومية " مصر أصبحت هيئة غير صالحة ، جثة لم يعلن وقت وفاتها بعد .
فماذا كان سيحدث لو لم يغتال السادات ؟
الاجابة على هذا السؤال يقول السفير "شاكيد" انه لوأن "مبارك" قد خلف "عبد الناصر" فى منصبه لما خطت مصر خطوة الى الامام ، بفضل طباع وسمات "مبارك" . فلو أن "مبارك" تولى حكم مصر فى عام 1970 لما اندعلت حرب السادس من اكتوبر ، وايضا لما قام بزيارة اسرائيل ولم يتم التوقيع على اتفاق سلام مع اسرائيل ، فرغم ما حققه "مبارك" من استقرار لمصر على مدى الـ25 عاما الماضية، لكنه لا يتمتع بسمة المبادرة والابداع، على العكس من السادات ، فمبارك هو الرجل الذى يريد ابقاء الحال على ما هو عليه دون تغيير، وهذا بمثابة محلك سر، ان لم نعتبره تراجع للخلف، فى الوقت الذي تسير فيه دول العالم الى الامام خاصة الدول الافريقية وتقدمت كثيرا على مصر.
ويواصل "شاكيد "حديثه قائلا :- " لقد هددت مصر كثير من الازمات الاقتصادية ، وقد حذر الخبراء من امكانية انهيار الاقتصاد المصري بسبب الزيادة السكانية الضخمة ، وهذا التهديد ما زال قائما ، فمصر غير مؤهلة لاستيعاب مليون ونصف طفل جديد يولد كل عام، كما ان الدخل القومى للفرد ضعيفا للغاية بالمقارنة مع اسرائيل ، وليس لدى شك فى انه لو كان السادات ما زال على قيد الحياة لكانت الامور مختلفة تماما، خاصة فيما يتعلق بالسلام والعلاقات مع اسرائيل . ففى عام 1973 على سبيل المثال أعلن "السادات "عن الانفتاح الاقتصادي والسياسي وسمح بوجود ستة أحزاب ، ومنذ ذلك الحين ظل الحال على ما هو عليه ، ولم يفعل "مبارك" شئ حيال التعددية الحزبية، وظلت الحياة السياسية فى مصر رهن الجمود لفترة طويلة، أما العلاقات مع واشنطن فقد كانت فى ازمات متتالية.
وماذا فيما يتعلق ببناء مصر لمفاعلات نووية من اجل الاجيال القادمة على حد زعم مبارك ؟
يقول "شاكيد" ان هذا تطور غير حكيم للاحداث ، فاننى ارى ان "السادات" لكان قد توخى الحذر فى ذلك وابتعد عن أن يكون هناك وجه تشابه بينه وبين ايران وكوريا الشمالية ، ورغم ذلك فمازال اتلطريق طويلا بين التصريحات وبين بناء محطات قوى نووية. وعلى ضوء التراجع البطئ لمصر يحذر "شاكيد" من بزوغ ضوء الاخوان المسلمون الذين يختفون فى ركن الزاوية ويقول :-"ليس لدي شك انه فى اللحظة التى يشمون فيها رائحة ضعف النظام الحاكم فسوف يسعون لتنفيذ إنقلاب . وتتمثل المخاوف فى القاهرة من ذلك وهى مخاوف ملموسة ، فنجد "مبارك" يكز كافة جهوده ضدهم ، وحقيقة فهى جهود ليست ضئيلة.
فهناك الملايين من مؤيدى هذا التيار الذين يشعرون بالاحباط على ضوء الانجازات التى يحققها الاسلام الرديكالى فى الشرق الاوسط، بينما لم يحققوا اي شئ فى الداخل ، لذا ينتظرون الفرصة المناسبة. وبصراحة فان مصر فى حالة غروب سياسي ، ولن احصي الاخفاقات السياسية التى لحقت بها ، لكنه يمكنني القول بان القاهرة لا يمكنها الآن ان تتفاخر باى انجاز من الانجازات فى اى مجال من المجالات ولمبارك دور كبيرفى ذلك.
وهناك سفير آخر عمل لدى القاهرة وهو "تسيفى مزائيل" يرى ان مصر تواجهها مشاكل ليست هينة واضاف قائلا :- " ان السنوات التى قضاها "مبارك" فى حكم مصر كانت مليئة بالمشاكل، على عكس سنوات حكم "السادات" التى كانت مفعمة بالامال العريضة . فالسادات هو الزعيم الذى اقام سلام مع اسرائيل واهتم بالوضع الاقتصادى، وحاول الانتقال من الكتلة السوفيتية الى الغرب فى هذا المجال ، وبالفعل نجح فى ذلك وحظى بمساعدات سخية ، بيد انه فى السنوات الاخيرة لم يشهد الاقتصاد المصري اى تقدم ، فلم ينجح "مبارك" فى تطوير مصر وإخراجها من حالة الفقر ، كما لم ينجح فى اقامة صناعة حقيقية، ولم يسهم فى تطوير الحياة السياسية؛ والنتيجة كانت إنكماش الاحزاب وتنامى التيار الاسلامي الرديكالى، واننا بالطبع قد نصل الى حالة من عدم الاستقرار قد يربح منها أكثر الاسلام المتطرف.
وفى المرحلة الحالية لا يبدو ان مصر ستستجيب لطلبات هذه الفئة المتنامية. بل اصبح هناك سباق بين الخطر الكامن فى ظهور قوى متطرفة، وبين فرص مصر فى تحقيق أية انجازات . واننى أرى انه لو كان "السادات" حى يرزق لما كان شعر بالرضى عما يراه ، فقد كان "السادات" يرى مصر بشكل آخر؛ فبدلا من تحقيق السلام وحل القضية الفلسطينية ، قويت شوكة القوى المتطرفة. ومع ذلك يقول "مزائيل "- " الا انه فى هذه المرحلة فاننى لا أرى أى محاولة تلوح فى الافق لاحداث ثورة فى مصر، فالجيش واجهزة الامن موالية للنظام الحاكم ذو الاتجاهات العلمانية ، الا انه كلما تدهور الوضع الاقتصادي ، كلما اصبحت مصر فى حال أسوأ ، فوضعها الحالى معقد ومتأزم واننى أعتقد بان هذه هى ليست مصر التى كان يرغب "السادات" فى رؤيتها .
يديعوت احرونوت بتاريخ 7/10/2006