أمريكا وإيران.. كراهية ثم صداقة ثم كراهية ثم حرب
كتب رانيــا صالح ٣/ ١٢/ ٢٠٠٩
جاء كتاب «فهم الأزمة الأمريكية الإيرانية»، أو «Understanding the US-Iran Crisis» للباحثة الأمريكية فيليس بينيس ولناشره أوليف برانش، ليكشف أبعاد وطبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية، ويحذر من العواقب الوخيمة التى ستلحق بالبيت الأبيض والإدارة الأمريكية الجديدة، فى ظل استمرار احتمالات توجيه ضربة عسكرية لإيران، بعد أن تعالت دقات طبول الحرب وتصاعدت حدة الخطاب الأمريكى ضد إيران، الذى قادته وبقوة إدارة بوش متذرعة بالحجج الواهية لحشد أكبر قدر من التأييد الدولى ولإضفاء شرعية على أى هجوم عسكرى محتمل على إيران.
فيليس بينيس هى زميلة معهد الدراسات السياسية بواشنطن العاصمة، وزميلة معهد ترانس ناشونال بأمستردام، ومتخصصة فى قضايا الشرق الأوسط وبحث هيمنة الولايات المتحدة على الأمم المتحدة، التى أدت إلى حرب الخليج وفرض عقوبات اقتصادية على العراق ثم غزو العراق واحتلاله، كما أنها ناشطة سياسية تلعب دورا حيويا فى الحملات المناهضة للحرب وفى الحملات الداعية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وفى حركات السلام العالمية.
والكتاب يعد من أبرز الكتب التى قدمت تحليلاً فى العمق بالعلاقة الأمريكية الإيرانية فرغم صدوره منذ عدة شهور إلا أنه يعد المرجع الأشمل فى توصيف وتفسير هذه العلاقة وتتبع فيه الكاتبة أسلوبا بسيطا وسلسا تستهدف به جمهورا ليست لديه خلفية عن طبيعة أو أسباب الأزمة الأمريكية الإيرانية، من خلال الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تطرحها الكاتبة، وتكشف فيها كذب الادعاءات الأمريكية حول تملك إيران أسلحة نووية أو رعايتها للإرهاب أو كونها تشكل تهديداً خطيراً لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
الأسلحة النووية.. ذريعة الحرب
ترى فيليس أن إدارة جورج بوش الابن قادت أكثر العمليات العسكرية تهورا وخطورة فى تاريخ الولايات المتحدة، وخلّفت نسخة جديدة من الإمبراطورية الأمريكية لتأكيد سيطرتها على الموارد الاستراتيجية، وبخاصة النفط، وتوسيع نطاق سلطتها من خلال بناء قواعد عسكرية.
ومع تصاعد حمامات الدم فى العراق، انتقلت الولايات المتحدة إلى عدو جديد، هو إيران، وبدأت فى شن حملة ضدها. ترى فيليس أن امتلاك إيران أسلحة نووية أو برنامجاً لأسلحة نووية كان الذريعة الأساسية فى الحملة ضد إيران. وساعد فى تشبث الولايات المتحدة بهذا الادعاء أن الجناح العسكرى للمعارضة الإيرانية، الذى يعرف بـ«مجاهدى خلق»، والذى حارب لسنوات ضد الحكومة الإيرانية من خلال مقره فى العراق أعلن فى أغسطس ٢٠٠٢ أن إيران أقرب إلى تخصيب اليورانيوم مما كان معروفا من قبل، كما حدد المنشآت الإيرانية النووية غير المعلنة.
وبناء على ذلك، أمضى مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما يقرب من ٦ أشهر فى عمليات التفتيش داخل المنشآت الإيرانية ليقروا بصحة هذا الزعم، وينتقدوا إيران لانعدام الشفافية فى الإبلاغ عن أنشطتها النووية إلا أنهم لم يتهموا إيران بانتهاكها معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التى وقعت عليها طهران عام ١٩٦٨، كما أفادوا بأنه لا يوجد دليل على أن إيران لديها برنامج عسكرى لصنع أسلحة نووية، أو أنها تقوم بتحويل منشآتها النووية للاستخدام العسكرى.
وبموجب المادة الرابعة من المعاهدة فإن لإيران الحق فى إنتاج واستخدام طاقة نووية لأغراض سلمية، فجميع الموقعين على المعاهدة لا يملكون أسلحة نووية (عدا الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين) وتعهدوا بعدم صنع أسلحة نووية أو السعى للحصول عليها، ووعدوا بالحصول على تكنولوجيا نووية والحق فى إنتاج واستخدام طاقة نووية، كما أن المادة السادسة من المعاهدة تلزم الدول النووية بالتحرك فى اتجاه نزع السلاح النووى الكامل، وهذا لم يحدث حتى الآن، وهو ما يعتبر انتهاكا صريحا للمعاهدة.
وتقول فيليس إن الولايات المتحدة تعتبر أيضا دولة منتهكة وفقاً لفتوى محكمة العدل الدولية، التى قضت فى عام ١٩٩٦ بأن التهديد أو استخدام أسلحة نووية يكون بصورة عامة مخالفا لقواعد القانون الدولى المطبقة فى النزاعات المسلحة، ففى بداية ٢٠٠٢ وقبل أكثر من سنة على احتلال العراق، كشف استعراض الوضع النووى لإدارة بوش عن استعدادات عسكرية لاستخدام أسلحة نووية ضد ٧ دول من بينها إيران، إضافة إلى العراق والصين وروسيا وسوريا وليبيا وكوريا الشمالية،
كما أن الولايات المتحدة تعتبر منتهكة لميثاق الأمم المتحدة وجميع مبادئ القانون الدولى التى تحظر الحرب الوقائية، فقد عكست وثيقة استراتيجية الأمن القومى لعام ٢٠٠٢ أهداف المحافظين الجدد للهيمنة على العالم، ورغبة منهم فى استخدام الهجمات الوقائية للحفاظ على السيطرة، فقد ذهبت السياسة العسكرية الجديدة لاستراتيجية الأمن القومى إلى إضفاء شرعية على القوة العسكرية للولايات المتحدة، والسماح لها باستخدام أسلحة نووية وقائية ضد الدول غير الحائزة على أسلحة نووية مثل العراق وإيران.
ولأن الولايات المتحدة لم تقتنع بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول برنامج إيران النووى، فقد ضغطت فى مارس ٢٠٠٤ على مجلس الأمن لتمرير قرار يدين إيران لعدم وجود شفافية كاملة لديها. وما إن تحولت مسألة البرنامج النووى الإيرانى إلى مجلس الأمن حتى فرضت الولايات المتحدة طلبات جديدة على إيران، منها الإصرار على وقف تخصيب اليورانيوم تماما بصرف النظر عن حقها فى ظل المعاهدة، وذلك بدعم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وتردد فى القبول من روسيا والصين. وعندما رفضت إيران التخلى عن حقها فى الطاقة النووية، دبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها مجموعة جديدة من العقوبات الاقتصادية ضدها.
ومن المثير للدهشة أنه فى ظل الجدل القائم حول احتمالية تملك إيران أسلحة نووية من عدمه، لم يحدث أن أشير إلى حقوق إيران والتزاماتها بموجب المعاهدة. وبالتالى ترى فيليس أن ما تفعله الولايات المتحدة ضد إيران لا أساس له فى القانون الدولى، بل يستند فقط لزعمها بأنها لا تثق فى حكومة إيران. ويعد هذا دليلا واضحا على ازدواجية المعايير النووية، خصوصا إذا قورنت بالقبول السريع من جانب واشنطن ليس فقط للترسانة النووية الضخمة الإسرائيلية غير الخاضعة للتفتيش منذ ثلاثة عقود، ولكن أيضا للأسلحة النووية التى جربت من جانب الهند وباكستان عام ١٩٩٨، والتى نفذت جميعها خارج قيود المعاهدة.
فصول تحولات الحب والكراهية
تؤكد فيليس أن النفط كان دائما محور العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، بالرغم من فرض الولايات المتحدة حظر شراء النفط الإيرانى منذ ١٩٧٩. فالولايات المتحدة كقوة عالمية، المسألة لديها لا تتعلق كثيرا بالوصول مباشرة إلى النفط الإيرانى، فهى ليست فى حاجة إلى استيراد الكثير من النفط الإيرانى أو الشرق أوسطى بشكل عام لاستخدامها الخاص. الأهم لديها هو الحفاظ على سيطرتها على إمدادات إيران ودول أخرى من النفط: القدرة على تحديد السعر والكمية المتاحة، وضمان حصول الأصدقاء المفضلين على النفط وحرمان منافسيها.
ترجع فيليس إلى الوراء، إلى العشرينيات من القرن الماضى، عندما تعاونت الولايات المتحدة مع بريطانيا العظمى لاستغلال الثروات النفطية الهائلة لإيران إلى أن جاء عام ١٩٥١ وفيه واجهت الدولتان خطر فقدان سيطرتهما على النفط فى إيران عندما انتُخب ديمقراطياً رئيس الوزراء محمد مصدق الذى أعلن عزمه تأميم الموارد الطبيعية الرئيسية لبلاده.
وردا على ذلك، دبرت وكالة المخابرات المركزية (سى آى إيه) عام ١٩٥٣ انقلابا أطاح بمصدق وزرعت مكانه محمد رضا بهلوى على عرش شاه إيران ودعمت مطالبته بسلطة مطلقة. شرع الشاه على الفور فى توطيد أجهزة واسعة من القمع والتعذيب والمراقبة تركزت فى الشرطة السرية «سافاك»، ودعم غير محدود للعسكرية الأمريكية.
وفى المقابل، عكس الشاه سياسات «مصدق» للتأميم ووضع مكانها ترتيبات للصناعة البترولية الإيرانية التى كان يتقاسم أرباحها مع شركات البترول البريطانية والأمريكية. عمل الشاه على مدى ٢٥ عاما كإحدى الركائز الأساسية الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، بينما دفع الشعب الإيرانى وحده الثمن من الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والحرمان من جميع حقوقه السياسية.
وهنا تكشف فيليس عن مفارقة تاريخية، هى أن الولايات المتحدة هى نفسها التى سبق أن دعمت بقوة طموحات إيران النووية، فمنذ منتصف السبعينيات والحكومة الأمريكية كانت تحث إيران على بناء محطات للطاقة النووية فى عهد الشاه لتوسع طاقتها غير النفطية، فقد كان هناك إعلان لوزارة الخارجية الأمريكية عام ١٩٧٧ مفاده أن إيران ستشترى ٨ مفاعلات نووية من الولايات المتحدة.
كما وقعت الدولتان اتفاقية الطاقة النووية الأمريكية الإيرانية فى يوليو ١٩٧٨، قبل الإطاحة بالشاه ببضعة شهور، لتسهيل التعاون فى مجال الطاقة النووية والإسراع فى تصدير ونقل التكنولوجيا والمعدات اللازمة لبرنامج إيران النووى.
خلال ذلك الوقت، تشكلت حركة كبيرة مناهضة للشاه داخل إيران وتصاعدت الإضرابات العمالية والمظاهرات. وعارض الرئيس الأمريكى جيمى كارتر وقتها أى تدخل عسكرى فى الوقت الذى لم تكن لديه فيه فكرة عما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة لحليفها الاستراتيجى الذى ينهار.
وبالفعل فى ١٦ يناير ١٩٧٩، هرب الشاه أولاً إلى مصر ثم فى وقت لاحق إلى العديد من البلدان الأخرى، ثم إلى الولايات المتحدة للعلاج الطبى بعد أن فشلت الجهود الدبلوماسية الأمريكية فى إيجاد ملجأ له فى مكان آخر. وبصرف النظر عن مرضه، اعتقد الكثير من الإيرانيين أن دخول الشاه للولايات المتحدة حملة أمريكية لإرجاعه للسلطة، وأثار ذلك سخط الطلبة الإيرانيين المسلحين الذين احتلوا السفارة الأمريكية فى طهران فى ٤ نوفمبر ١٩٧٩ واحتجزوا ٥٢ من الدبلوماسيين الأمريكيين وآخرين كرهائن لمدة ٤٤٤ يوما.
الحرب مع العراق.. الحرب ضد العراق
وترى فيليس أن الحرب العراقية الإيرانية، التى استمرت ٨ سنوات بدأت بغزو العراق لإيران فى سبتمبر ١٩٨٠، جاءت كفرصة استراتيجية جديدة لصناع القرار فى الولايات المتحدة، فإيران والعراق هما الدولتان الوحيدتان فى الشرق الأوسط اللتان تملكان الشروط المطلوبة لتصبحا قوتين إقليميتين: المياه والنفط والحجم، فالمياه تجعلهما مكتفيتين ذاتيا، والنفط يقدم لهما الثروة، وحجم الأرض والسكان يضمن لهما إمكانية السيطرة.
أيضا ليس من قبيل المصادفة أن إيران والعراق ــ وهما اثنان من ثلاثة بلدان شرق أوسطية (الثالثة مصر) ــ لهما تاريخ طويل كبلاد مستقلة ومتحدية للهيمنة الأمريكية. وبالتالى فهذه الحرب من شأنها إضعاف إمكانات كلتا الدولتين الإقليمية وإهدار ثرواتهما القومية والقضاء على مئات الآلاف من خيرة شبابهما.
تحركت الولايات المتحدة بسرعة لتأخذ جانب العراق، الطرف الأضعف من وجهة نظرها بهدف الحفاظ على استمرار القتال لأطول فترة ممكنة. كما أن إدارة ريجان تورطت فى بيع أسلحة سراً لإيران ـ ما يعرف بـ«فضيحة إيران كونترا» ـ أما العسكرية الأمريكية والدعم المالى الرئيسى وتكنولوجيا الأقمار الصناعية فذهبت للعراق.
وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وفى يوليو ١٩٩٠، وقبل أسبوع واحد من غزو الكويت، أعطت السفيرة الأمريكية أبريل جلاسبى الرئيس العراقى صدام حسين ضوءا أصفر فيما يتعلق بغزو الكويت، وأخبرته بـ«أننا ليس لدينا رأى بشأن النزاعات العربية العربية، مثل خلافك على الحدود مع الكويت».
وما لبثت واشنطن أن استخدمت هجوم العراق على الكويت كذريعة لشن حملة عالمية تهدف إلى إعادة تأكيد الولايات المتحدة كقوة عظمى. وأصبح العراق الهدف الجديد وأخذ صدام حسين بسرعة محل آية الله الخمينى كالخصم الشرير.
وتغيرت أدوار اللعب مرة أخرى بعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة، فمثلها مثل أى حكومة فى العالم أدانت إيران الهجمات وعرضت مساعدة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الأخرى فى تحقيق الاستقرار فى أفغانستان على الرغم من استمرار العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
وبالفعل أصبحت إيران الشريك الرئيسى للولايات المتحدة لغزو واحتلال أفغانستان. كانت إيران تريد فى المقابل رفع العقوبات الاقتصادية وإنهاء حظر واشنطن دخولها منظمة التجارة العالمية والضمان الأمنى بأن الولايات المتحدة لن تشن هجوما عليها أو تغزوها أو تحاول تغيير النظام لديها، ولم يتحقق أى من ذلك.
وتقول فيليس إنه مع صدور تقرير المخابرات القومية الأمريكية فى ٣ ديسمبر ٢٠٠٧ حول القدرات النووية لإيران تنفس العديد الصعداء، إذ جاء فيه إجماع وكالات المخابرات الأمريكية الست عشرة بأن إيران لا تملك سلاحا نوويا ولم يكن لديها برنامج لصنعه.
اعتقد البعض أنه بهذا التقرير تم غلق الملف الإيرانى النووى، إلا أن واشنطن استمرت فى دق طبول الحرب ولم تُعر التقرير أهمية، ففى رحلته لإسرائيل فى يناير ٢٠٠٨، وضع بوش إيران على رأس جدول أعماله، فقد كان أهم أهدافه طمأنة إسرائيل بأن تقرير المخابرات الأمريكية لم ولن يغير سياسة أمريكا تجاه إيران.
كانت إسرائيل دائما طرفا رئيسيا فى الحملة الأمريكية ضد إيران، ففى يناير ٢٠٠٧ هدد رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت بشكل علنى ومباشر بأن إسرائيل قد تشن ضربة عسكرية ضد إيران.
وهذه لم تكن التهديدات الأولى التى تصدر عن مسؤولين إسرائيليين، ففى عام ٢٠٠٤ دعا عضو الكنيست من الليكود إيهود ياتوم إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية، كما سبق أن فعلوا بالمفاعل العراقى.
ففى عام ١٩٨١، شنت إسرائيل بالفعل هجوما عسكريا ضد العراق، ودمرت فيه مفاعل «أوزيراك» النووى، ويبدو أن إسرائيل تعتقد أنها يمكنها أن تكرر مثل هذا الهجوم ضد إيران.
Understanding the US-Iran Crisis
Phyllis Bennis
١٣٤ Pages
Olive Branch Press
المصري اليوم